- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠3برنامج حياة المسلم 3
مقدمة :
الدكتور محمد راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
المذيع :
السلام عليكم ، ومرحباً بكم مستمعينا الأكارم ، على الهواء مباشرةً عبر أثير إذاعتكم حياة FM ، في مجلس علمٍ وإيمانٍ جديد نلتقي فيه ، نتتلمذ على يدي فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، مرحباً بكم شيخنا الكريم .
الدكتور محمد راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع:
أكرمكم الله دكتور محمد .
شيخنا الكريم ، موضوعنا لهذا اليوم عن آثام اللسان ، فالبعض منا قد يظن أن الكلمات لا وزن ، ولا حساب عليها ، نبدأ حلقتنا بقول الخالق سبحانه وتعالى :
﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾
وقوله سبحانه وتعالى :﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾
شيخنا الكريم بدايةً السؤال الكبير : هل يؤاخذ ويحاسب الإنسان على ما يقول أم أن الكلام هينٌ ويحاسب على الأفعال وحدها ؟مفتاح الجنة في فمنا ودخول النار على كلمة :
الدكتور محمد راتب :
أخي الكريم ، سؤالٌ دقيق ، بارك الله بكم ، ونفع بكم ، أول كلمة :
(( مَنْ عَدَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ فقد نجا ))
(( من عدّ ))
أي اعتبر .(( كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ فقد نجا ))
الشيء الآخر .(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))
فالكلمة خطيرة جداً ، مفتاح الجنة في فمنا ، ودخول النار على كلمة ، وقضاء الله هو كلمة ، هي زادٌ مزخور ، مخبأ لصاحبه ، والكلمةُ نورٌ وحبور ، وبعض الكلمات قبور ، وبعض الكلمات قلاعٌ وجسور ، الكلمةُ همم شامخة ، يعتصم بها النبل البشري ، الكلمة فرقانٌ ما بين نبيٍ وبغي ، بالكلمة تنكشف الغمة ، وبالكلمة يكون النور والدليل ، وتتبعه الأمة ، الكلمةُ وحي السماء .وسيدنا عيسى ما كان سوى كلمة ، أضاء الدنيا في كلمة ، وعلمها للحواريين ، الكلمةُ زلزلت الظالم ، الكلمةُ حصن الصادق ، الكلمةُ هي المسؤولية ، هي شرف الرجل وحصنه، وقدر الله في كلمته ، الحق هو الله ، وكلامه حق ، ووعده حق ، ووعيده حق ، بل الحق هو الشيء الهادف والثابت ، والباطل الشيء العابث والزائل ، إن الكلمة تقال لظالمٍ ، أو ظلّامٍ ، أو ظلوم ، في اتباع الحق تسلم وتسعد ، وباتباع الباطل تشقى وتخسر .
المذيع:
الله يفتح عليكم دكتور.
الكلمة أخطر شيء في حياة الإنسان :
الدكتور محمد راتب :
الكلمة لها شأنٌ كبيرٌ كبير .
(( يا عائشة قلتِ كلمةً ))
قالت عن أختها قصيرة ، قال لها :(( قلتِ كلمةً لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ))
أخطر شيء بحياتنا الكلمة ، بها نرقى ، وبها نسقط .المذيع:
إذاً هي ليست فقط التي يحاسب عليها الإنسان ، بل قد تكون بوابةً للجنة ، أو والعياذ بالله للنار .
الدكتور محمد راتب :
يحاسب عليها أشد الحساب .
المذيع:
أصلح اله أحوالنا وحالنا .
الدكتور محمد راتب :
(( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))
مثلاً للتوضيح ؛ لو شخص قال : أنت أخلاقيٌ لأنك ضعيف ، وأنت ضعيف لأنك أخلاقي ، هذه الكلمة ألغت الدين كله ، ألغت القيم كلها ، المبادئ كلها ، فالحياة كلمة ، بكلمة ترقى ، بكلمة تخسر .المذيع:
شيخنا أبقى معك في هذا الحديث :
(( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلْقِي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب ))
أو في رواية :(( سبعين خريفاً ))
ما المقصود شيخنا أنه يتكلم بالكلمة من سخط الله ؟ هل الإنسان ارتكب إثماً بهذا الكلام أم أنه غضب الله ؟الإنسان تحكمه الكلمة :
الدكتور محمد راتب :
أكبر إثم ، الغيبة كلمة ، والكذب كلمة ، والإيهام كلمة ، واحتقار الآخرين كلمة ، كل حياتنا كلمات ، حياتنا كلها كلمات ، لكن الكلمات ترقى بنا ، وهناك كلمات تهوي بنا ، ولأن الإنسان مخير، كل نشاطاته حيادية ، يرقى بها ، أو يهوي بها .
مثلاً : صفيحة بنزين ، سائل متفجر ، غالي الثمن ، إذا وضع في المستودع المحكم، وسار في الأنابيب المحكمة ، ولّد حركةً نافعة ، تقلك في الأردن إلى العقبة بالعيد ، الصفيحة نفسها لو صُبت على المركبة ، وأصابتها شرارة ، أحرقت المركبة ومن فيها ، شيء خطير جداً .
مثلاً : تركب مركبتك ، وجدت لوحةً في أول الطريق : الطريق ليست سالكة ، لِمَ ترجع ؟ أربع كلمات ، أنت عندك بهذه المدينة مبلغ ضخم موعود لأخذه ، لكن الطريق غير سالك، يوجد ثلوج بالطريق ، رجعت إلى بيتك ، وألغيت المطالبة ، بثلاث كلمات : الطريق إلى هذه المدينة غير سالك بسبب تراكم الثلوج .
فالإنسان تحكمه الكلمة ، لو أن دابةً تمشي في هذا الطريق ، أين تقف ؟ عند الثلج ، ماذا حكم الدابة ؟ الواقع ، فرقٌ كبير بين أن يحكمك نص من عند الله ، من عند خالق الأكوان ، من عند سيد الكائنات رسول الله ، وبين أن تحكمك الشهوة الطارئة .
المذيع:
الله يفتح عليكم دكتور ، شيخنا في الحديث :
(( لا يُلْقِي لها بالاً ))
حتى الكلمات غير المقصودة أو التي لا نتمعن كثيراً بنيتها نؤاخذ عليها ؟النوايا لا تلغي العقاب :
الدكتور محمد راتب :النوايا لا تلغي العقاب ، لو إنسان تكلم كلمةً لا ترضي الله ، وقال : نيتي طيبة ، هذا كلام مردود ، في النوايا العقاب لا يُلغى .
المذيع:
وبالتالي يحاسب الإنسان على ما خرج من فمه ، بغض النظر عن منطلقه .
الدكتور محمد راتب :
عفواً ، قالت لرسول الله : إنها قصيرة ، لمن ؟ لضرتها ، قال لها :
(( يا عائشة لقد قلتِ كلمةً لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ))
صح أم لا ؟المذيع:
سيأتي شيخنا الكريم من يسألك ، يقول لك عن الطرف الثالث ألا وهي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ، التي قيل عنها إنها قصيرة لم تسمع ، وبالتالي لم يتحقق الأذى ، فلماذا لهذه الدرجة كانت هذه الكلمة .
(( لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ))
الحياة ترابط وتعاطف ومودة :
الدكتور محمد راتب :تفسد العلاقات ، الحياة ترابط ، الحياة تعاطف ، الحياة تبادل ، الحياة مودة ، كل القيم الرائعة الأخلاقية الاجتماعية فيما بين المؤمنين وبين بعضهم بعضاً تلغيها الكلمة الباطلة ، كم من عداءٍ دام سنواتٍ طويلة لكلمة قالها أحدهم ؟!
المذيع:
شيخنا لو عدنا إلى القرآن .
الدكتور محمد راتب :
(( مَنْ عَدَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ فقد نجا ))
ومن ظن أن كلامه لا يحاسب عليه هلك .المذيع:
الله يفتح عليكم دكتور ، شيخنا لو عدنا إلى القرآن الكريم في قوله عز وجل :
﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾
هل لنا بدايةً في التفسير أن نوضح ماذا تعني رقيبٌ عتيد ؟من أدرك أن علم الله وقدرته تطوله لا يمكن أن يعصيه :
الدكتور محمد راتب :
رقيب أي علمه يصل إليك ، وعتيد ؛ قدرته تصل إليك ، لو أن القدرة لا تصل لا يعلم أما علمه فيصل إليك ، أو علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، هذه نقطة دقيقة جداً .
عفواً ؛ أنت تركب مركبتك ، وأنت إنسان ناجح بالحياة ، ودخلك كبير جداً ، سيارتك فارهة ، الإشارة حمراء ، لماذا تقف ؟ لأنك تعلم علم اليقين أن واضع قانون السير علمه يطولك وقدرته تطولك ، إذاً لا يمكن أن تعصيه ، بالقرآن :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
نقطتان :﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
قدرته تطولك ، وعلمه يطولك ، لا يمكن أن تعصيه .المذيع:
الله يفتح عليكم دكتور ، شيخنا في الحديث الذي حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام من النفاق :
(( آيةُ المنافق ثلاث ))
منهم :(( إِذا حَدّث كذب . وإِذا وَعَدَ أخلف))
وكلاهما مرتبط بآثام اللسان ، أن يعطي وعداً فيخلفه ، وأن يتحدث كذباً ، هل لهذه الدرجة يمكن أن تصل بالإنسان آثام اللسان إلى النفاق ؟أثر الكلمة أثر خطير في حياة الإنسان :
الدكتور محمد راتب :
أريد شيئاً واحداً ، أريد أن أنهي إلى إخوتنا المستمعين والمشاهدين أن الكلمة عمل ، وأن الإنسان بالكلمة يسقط من عين الله ، هناك آثار خطيرة جداً ، فالإنسان بالكلمة يصل إلى الله، وبكلمة يكفر أحياناً ، فالكلمة خطيرة جداً ، لذلك أنت حينما تؤمن أن علم الله يطولك وأن قدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه .
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
الآن القرآن بأكمله سيدرج في كلمتين :﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
إذا آمن الإنسان إيماناً يقينياً أن علم الله يطوله ، وأن قدرته تطوله ، من خلال هذه الآية لا يمكن أن يعصيه .المذيع:
الله يفتح عليكم دكتور ، شيخنا الحبيب في حديث النبي صلى الله عليه وسلم :
(( وَمَن كانَ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرا أَو لِيَسْكُتْ ))
ربط الكلام بالإيمان بالله واليوم الآخر .قانون الالتفاف والانفضاض :
الدكتور محمد راتب :
لأن الكلام له آثار إيجابية وسلبية خطيرة جداً ، بالكلمة تؤلف القلوب ، بالكلمة يقترب الناس منك ، بالكلمة يصدقونك ، بالكلمة يحبونك ، أنت في دنيا ، أنت في وقت العمل الصالح كل شيء ، وكلما كنت صادقاً ، وكنت مهذباً ، وكنت أديباً ، التف الناس حولك ، الله عز وجل ماذا يقول ؟ يخاطب نبي الأمة ، يخاطب سيد الخلق ، وحبيب الحق :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
يا محمد ! بسبب رحمةٍ استقرت في قلبك ، من خلال اتصالك بنا ، كنت ليناً لهم ، فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك ، وأحبوك ، ولو أنت أنت بالذات ، ولو كنت افتراضاً .﴿ غَلِيظَ الْقَلْبِ ﴾
منقطعاً عن الله ، عندئذٍ ينفض الناس من حولك ، هذا قانون الالتفاف والانفضاض ، كلمة طيبة ، محبة ، التفاف ، كلمة قاسية ، بغض ، انفضاض ، أنا أسمي هذه الآية فيها قانون الالتفاف والانفضاض ، يحتاجه الأب ، والأم ، والمعلم ، والمدرس ويحتاجه جميع البشر ، من الخفير إلى الأمير .المذيع:
إذاً رحمة النبي صلى الله عليه وسلم أدت إلى أن يكون ليناً ، فاجتمع الناس حوله ، وهذه الرحمة ما جاءت إلا من الصلة بالله عز وجل .
الله يفتح عليكم ، شيخنا سنسأل فضيلتكم سؤالاً ، ونستمع للإجابة بعد الفاصل بحول الله تعالى ، من الحديث :
(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً ))
ماذا تعني كلمة خيراً ؟ لأنه أحياناً قد يُسأل الإنسان عن شخصٍ مثلاً في الزواج ويعرف سلباً عنه ، نستأذنكم شيخنا لنستمع إلى إجابة كاملة من فضيلتكم ، بعد هذا الفاصل مستمعينا نعود عبر أثير إذاعتكم حياة FM .نتواصل نحن وإياكم في هذه الحلقة مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، وحديثنا عن آثام اللسان .
شيخنا الكريم ، قبل الفاصل كان لفضيلتكم كلام مهم ، وذكرتم بأن الإنسان إن عدَّ كلامه من عمله نجا ، وإن استهان به هلك ، وبالتالي فالإنسان لديه رقيبٌ عتيد يحاسب على كل قولٍ وكل كلمةٍ على اختلاف نواياه ، فالنية لا تشفع له إن كان كلامه سيئاً ، وذكرتم تفصيلاً وأمثلة على ذلك ، سؤالنا قبل الفاصل شيخنا كان من حديث النبي عليه الصلاة والسلام :
(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ))
هل الخير هنا معناه المدح ، الكلام الطيب ، أم الخير هو الحقيقة ؟ فلو سئلت مثلاً عن إنسان يريد أن يتزوج من فتاة ، فسألني أهلها عنه ، وأنا أعرف جوانب سلبية في حياته ، هل الخير هنا يقتضي أن أكون منصفاً وصادقاً أم الخير يعني أن تمدحه ؟ ما المقصود بهذه الكلمة شرعاً دكتور ؟أمور كثيرة على الإنسان ألا يمتنع عن قول الحقيقة عنها :
الدكتور محمد راتب :
الحقيقة أن هناك حالات ، لابد من أن تقول الحقيقة ، في موضوع الزواج مثلاً تعلم عن هذا الشاب انحرافاً خطيراً ، سُئلت عنه من أجل الزواج ، هنا لا بد من أن تتكلم الحقيقة وإلا تعد آثماً ، هذه الحالات ؛ عدّ العلماء عدة حالات يجب أن تقول الحقيقة مهما تكن مُرة ، لأن الحقيقة المرة في حالاتٍ كثيرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، والتمنع عن وصف الخاطبين في الزواج يسبب متاعب كبيرة جداً ، هنا يوجد حالات العلماء عدوها بموضوع الزواج ، موضوع التجارة ، إذا كان هناك صمت مهلك للآخر ، الصمت حرام ، أما ما من داع الإنسان أحياناً لا يُسأل ، أنا لا أتكلم بالمباح به إلا عند السؤال ، إذا لم أسأل لا يوجد داع لأن أتكلم .
المذيع:
سيدنا ممكن أن توضح لنا ؟
الدكتور محمد راتب :
هناك موضوع شراكة ، موضوع زواج ، البنت مؤمنة ، كاملة ، مصلية ، صائمة ، محجبة ، معقول يأخذها إنسان متفلت ؟! لا يصح ذلك .
المذيع:
إذاً من أجل أن توضح الفكرة شيخنا ، إذا الإنسان لم يُسأل ، فالأصل ألا يذكر عيوب الآخرين ، لكن إذا سُئل مثلاً يوجد شراكة تجارية ، وفلان ذمته المالية مثلاً غير نظيفة ويعمل بالحرام وما شابه ، أو بالزواج .
الدكتور محمد راتب :
لابد من أن تذكر الحقيقة المرة .
المذيع:
وإذا سكتُ عنها ؟
الدكتور محمد راتب :
إثم كبير .
المذيع:
هنا السكوت إثم .
التربية والتعليم من آداب النبي الكريم :
الدكتور محمد راتب :
لكن التربية والتعليم من آداب النبي الكريم يقول :
(( ما بَالُ أقوامٍ ))
لم يحدد ، عمل جمعاً ، وما ذكر من هم ، أنت بحاجة كداعية أن تبين للناس بعض الأخطاء ، ليس لك مصلحة أن تسمي أحداً .(( ما بَالُ أقوامٍ يقولون كذا وكذا ))
المذيع:الله يفتح عليكم ، شيخنا أنتقل معكم إلى قول الله سبحانه وتعالى :
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴾
ما المقصود بهذه الكلمات من القرآن الكريم : الكلمة الطيبة ، والشجرة الطيبة ، دكتور ؟العمل الصالح علة وجودنا في الدنيا :
الدكتور محمد راتب :
الإنسان عندما يكون قوياً ، ويتكلم كلمة مع إنسان وضعه المادي صعب ، طيب خاطره ، جعله يثق بنفسه ، أعانه على دنياه ، نحن علة وجودنا في الدنيا الوحيدة العمل الصالح، والدليل :
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾
وسمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، علة وجودك الوحيدة ، الدليل الأقوى ، الإنسان يقول حينما يواجه الموت :﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾
معنى هذا أن علة وجودنا الوحيدة بعد الإيمان بالله واليوم الآخر العمل الصالح ، وسمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، أما حينما يكون الصمت خطيراً ، موضوع زواج ، موضوع شراكة ، موضوع مستمر ، لا بد من أن تقول الحقيقة ، وإلا فأنت آثم .المذيع:
شيخنا ؛ نتحدث عن بعض آثام أو بعض آفات اللسان المنتشرة ، قد تكون القضية الأولى منها دكتور خوض الإنسان في الباطل ، وحديثه في الباطل ، هذه نقطة من قول الله سبحانه وتعالى :
﴿ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴾
ما التوجيه في هذا الجانب ؟الحكمة عطاء إلهي لا تؤخذ بل تؤتى :
الدكتور محمد راتب :عندما تكون بجلسة ، مثلاً : يأتي اسم شخص ، تتحدث عنه حديثاً مؤلماً جداً ، عن سلبياته ، لم يسألك أحد ، الصامت في سلام ، والمتكلم إما له أو عليه ، الكلمة فيها محاسبة ، إذا كان هناك زواج ، شراكة ، عمل مصيري مستمر ، لا بد من أن تقول الحقيقة المرة ، وهي أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، الحكمة أكبر عطاء إلهي ، والحكمة لا تؤخذ ، بل تؤتى .
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
أحياناً الصمت إعلان ، الصمت كلام ، كما يقول بعضهم ، الصمت مع التحسر أحياناً هذا إعلام ، يوجد وسائل كثيرة أن تُعلم الآخر بالحقيقة المرة ، وإلا كان هناك غش .(( ليس منا من غَشّ))
أدق من ذلك :(( من غشنا فليس منا ))
أما الأدق من ذلك :(( من غش فليس منا ))
المذيع:الله يفتح عليكم دكتور ، شيخنا في حديث النبي عليه الصلاة والسلام :
(( ليس المؤمن بالطعان ، ولا اللعان ، ولا بالفاحش البذيء ))
من الصفات المنتشرة ، وقد تكون بحسن نية لدى البعض كثرة اللعن ، أي يلعن جماداً ، يلعن نباتاً ، إذا مثلاً أراد أن يشغل جهازاً كهربائياً لم يعمل يلعنه ، ما رأي فضيلتكم بمن يكثر اللعنة ؟اللعن أكبر عقاب إلهي :
الدكتور محمد راتب :
والله هذه الكلمات أنا لا أصدق أن يفعلها المؤمن ، لا أصدق ! أنت بحاجة إلى كل شيء ، لا يوجد شيء خلقه الله إلا لك حاجة به ، حينما تلعن ، اللعن في الحقيقة أكبر عقاب إلهي .
﴿ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ﴾
أبعدهم ، ممكن يكون هناك مأساة ، مصيبة خفيفة ، أما اللعن فأكبر عقاب ، واللعن لم يحبه النبي أبداً .المذيع:
صلى الله عيه وسلم ، الجانب الآخر من الحديث دكتور ، صاحب اللسان الفاحش الذي يستخدم كلماتً كلها سوءٌ وفحش ، أيضاً ما توجيه فضيلتكم خاصةً إذا ما غضب ؟
الابتعاد عن الفحش والبذاءة :
الدكتور محمد راتب :
والله أنا لا أصدق أن يقول المؤمن كلمة فيها بذاءة ، القرآن الكريم :
﴿ حَمَلَتْ ﴾
منه ، فقط ، لا يوجد كلمة لا تليق ، هناك آيات كثيرة تتعلق بالعلاقة بين الرجل وزوجته ، لو تمعنت في الآيات ، لا يوجد كلمة تحرج أبداً ، أو تحمر وجوه ، النبي قال ببعض الأحاديث :(( لا تحمروا الوجوه ))
لا تُخجل إنسان .المذيع:
صلى الله عليه وسلم ، الله يفتح عليكم دكتور على هذا الكلام الطيب ، أيضاً من بعض آفات اللسان التي قد لا يلتفت لها البعض قضية الاستهزاء ، أحدهم يسيء لأحد منا سواءً في حضوره أو في غيابه ، وحينما يراجع يقول : أنا كنت أمزح فهل يؤاخذ على هذا المزاح ؟
محاسبة الإنسان على الغيبة أشدّ الحساب :
الدكتور محمد راتب :
يؤاخذ أشد المؤاخذة عن الغيبة ، يقول شخص : لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أبي وأمي هم أحق بحسناتي منك ، شيء خطير جداً ، الذي يغتاب يأخذ من الذي اغتابه كل سيئاته .
المذيع:
شيخنا الحبيب ؛ في المقابل هنالك بعض الكنوز النبوية والقرآنية المرتبطة بالكلام ، منها مثلاً قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ))
هي سهلٌ نطقها دكتور ، لكن لها هذا الأجر الكبير عند الله سبحانه وتعالى ؟بطولة الإنسان أن يعرف الله ورحمته :
الدكتور محمد راتب :
لأنه الله عز وجل خلقك ، فالبطولة أن تعرفه ، أن تعرف رحمته ، أن تعرف حجمه، أن تعرف قدرته ، أن تعرف مودته ، أن تعرف لطفه .
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
أنت إذا حدثت عن الله أخفتهم منه ، وهذا أعظم عمل ، والدليل :﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم .﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
الذي لا يدعون الله على بصيرة ، ما معنى بصيرة ؟ بالدليل والتعليل ، ليس متبعاً لرسول الله ، الدعوة فرض عين على كل مسلم ، قد يكون ليس عالماً ، حضر درساً فيه شرح لآية رائعة ، تكلم عنه لزوجته ، الدعوة إلى الله في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، أما الدعوة الاحترافية فتحتاج إلى تعمق ، وتبحر ، وتثبت ، وتفرغ ، أربع كلمات ، تثبت ، تبحر ، تعمق ، تفرغ ، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، والآية تقول :﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾
والآية معروفة ، عندنا دعوة هي فرض عين على كل مسلم ، في حدود ما يعلم ومع من يعرف ، ودعوة هي فرض كفاية ، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل .المذيع:
الله يفتح عليكم دكتور ؛ شيخنا الكريم في المقابل هنالك من الناس من يسعى بلسانه لأن يكون جباراً للخواطر ، مثلاً يجد محتاجاً لكنه لا يملك مالاً لمساعدته ، فيرق عليه بالكلمات، هل يؤجر بجبر الخواطر باللسان ؟
جبّار الخواطر أقرب إنسان إلى الله عز وجل :
الدكتور محمد راتب :
والله ما من عبادةٍ يحبها الله كأن تكون جباراً للخواطر ، الذي يجبر الخواطر أقرب إنسان إلى الله عز وجل ، يتواضع لفقير ، يتواضع لإنسان دخله محدود ، لا يتباهى عليه ، لا يعرض نعمه أمامه .
المذيع:
هل هذا الكلام شيخنا ينطبق على المدير مثلاً مع موظفيه ؟
الدكتور محمد راتب :
دقيقة ، الحديث :
(( ما عُبد الله بشيء أفضل من جبر الخواطر ))
المذيع:الله يفتح عليكم شيخنا ؛ هل هذا الكلام شيخنا يمكن أن ينطبق على المدير في تعامله مع موظفيه ، والمدرس مع طلابه ، وما شابه ؟
الكلام الراقي يسعد الإنسان ويرتقي به :
الدكتور محمد راتب :
سيدي ! المدير العام عندما يسأل موظفاً عنده فقيراً ، كيف حالك يا بني إن شاء الله أنت مرتاح ؟ هل يلزمك شيء ؟ يجعله أسعد إنسان مدة شهر ، هذا القوي كلما كانت أخلاقه عالية ، قوته مع أخلاقه العالية يشيع العمل الصالح ، والإخلاص في العمل ، أحياناً الإدارة ، إدارة المشاريع تحتاج إلى أخلاق ، الآن اختصاص إدارة الأعمال ، أن تعرف عن كل إنسان مستوى فهمه ، إمكاناته ، النبي عندما كان يبحث عن شخص لمهمة ، يعطونه اسماً ماذا يقول ؟ يقول : ليس هناك ، ما قال : لا يصلح لا يوجد عنده إمكانيات ، ليس هناك ، الكلام الراقي يسعد الإنسان .
المذيع :
الله يفتح عليكم ، إذاً شيخنا الإنسان كلما كان كلامه أقل كلما كان أسلم ، وإذا ما تكلم لا بد أن يتكلم بالخير ، شيخنا ما هي الحالات التي يؤاخذ الإنسان عند الصمت بها ؟ هل مثلاً إذا كان شاهداً على أمرٍ ما فسُئل فكتم الشهادة يعتبر كتم ؟
الشهادة فرض عين :
الدكتور محمد راتب :
آثمٌ قلبه ، الشهادة فرض عين ، حتى بالأنظمة ، ممكن أن تأخذ إجازة يوم لتسافر للعاصمة تشهد شهادة ، والإجازة محسوبة الأجر .
المذيع :
فإذا كان الإنسان شاهد عيان على موقف معين ، هو ملزم شرعاً بأن ينطق بما شاهد .
الدكتور محمد راتب :
فرض حتمي ، إحقاق الحق فرض ، أحياناً حادث سير ، مات طفل ، شخص شاهد السائق أنه لم يكن مخطئاً إطلاقاً ، يمشي على اليمين بسرعة بطيئة ، شهادته أنقذته من عقاب شديد .
﴿ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ﴾
آية قرآنية .المذيع :
أنا هذا سؤالي شيخنا : هل أنا ملزم بأن أتطوع للشهادة أم إذا ما تمت دعوتي للشهادة فيجب عليّ هنا ألا أذهب ؟
الدكتور محمد راتب :
لا سيدي ؛ القاضي يجب أن يدعوك دعوة رسمية ، أما البطولة إن لم تدعَ يطلب أحد المتخاصمين اسمك كشاهد ، فالقاضي يستدعيك لتقول كلمة .
المذيع :
أي إذا كنت أنا الشاهد الوحيد لابد هنا من أن أدعى ، لكن إذا كان هنالك البدائل من الشهود لو أنا لم أحضر لا إثم عليّ ؟
الدكتور محمد راتب :
إذا قام بها البعض سقط عن الكل .
المذيع:
جميل ! الله يفتح عليكم دكتور لهذا التفصيل المهم .
شيخنا الحبيب ، أيضاً في جانب الكلمات والحديث عنها ، ما هو الأقل من الكلمة ؟ في قوله عز وجل في تعامل الابن مع والديه :
﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ﴾
أف يحاسب عليها الإنسان رغم أنها نفسٌ أو تنهيدة ، وهي أقل من الكلام ، لماذا ؟محاسبة الإنسان عن كل نفس وتنهيدة :
الدكتور محمد راتب :
العلماء قالوا : لو أن في اللغة كلمةً أقل من أف لقالها الله ، العلماء حملوا عليها خبط الباب ، أو الاستدارة أي يعطي ظهره لأبيه ، يوجد حوالي ثلاثين حالة حملت على كلمة أف، مثل أف ، يوجد ثلاثون حالة تشبه أف ، خبط الباب ، أن ينظر لأبيه بحدة بالغة ، هذا حرام.
المذيع :
الله أكبر ! ولا يلتفت الإنسان كثيراً لمثل هذه التفاصيل ، الله يفتح عليكم دكتور على هذا الكلام الطيب والمهم .
شيخنا الكريم ؛ كجزء من طبيعة حياتنا وتعاملنا مع الناس يخرج من الإنسان أحياناً بعض الكلمات التي لا يقصدها ، قد يحلف يميناً وهو لا يقصد ، قد يذكر كلمة غير لبقة ، ماذا تنصح الإنسان ليسيطر على كلماته ؟
انتباه الإنسان لكلماته والسيطرة عليها :
الدكتور محمد راتب :باب الاعتذار ، يأتيه باليوم التالي سامحني تكلمت بكلمة ما كنت أقصدها والله ومعك هدية أيضاً ، إذا كان هناك كلمة فيها إساءة لأخ ، في اليوم الثاني اذهب إليه وخذ معك هديةً له كي تسعده وتجبر بخاطره .
المذيع:
سؤالنا الأخير دكتور : هل من رابط بين ما يجده الإنسان من كلمات على لسانه وبين ما هو في القلب ، والإيمان ، واليقين على الله ، أي إذا كان كلامه حسناً أو فاحشاً هل يؤثر على إيمانه ؟ على عقيدته وقلبه ؟
ضرورة تطابق الأفعال والأقوال :
الدكتور محمد راتب :
والله أنا لا أصدق أن يكون هناك مسافة بين نفسية الإنسان وبين أقواله ، لا بد من تطابق ، أنا أُحبك أي أُحبك ، أنا أعاتبك أي أعاتبك ، أما الازدواجية فالازدواجية تعمل حالة صعبة جداً مثل النفاق ، أي بحضوره تعبر له عن محبتك له القصوى ، فإذا غاب عنك تحدثت عنه الشيء الكثير ، هذا غلط كبير .
المذيع:
الله يفتح عليكم دكتور .
الدكتور محمد راتب :
ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً ، هذا له وجهان .
المذيع:
الله يفتح عليكم دكتور ، نختم حلقتنا بالدعاء ، ونسأل الله القبول .
الدعاء :
الدكتور محمد راتب :بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا .